خطبة الجمعة 7 يوليو 2023م : عناية الإسلام بالنشء ، للشيخ خالد القط
خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للشيخ خالد القط ، بتاريخ 19 ذو الحجة 1444هـ ، الموافق 7 يوليو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بصيغة word بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للشيخ خالد القط
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م بصيغة pdf بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للشيخ خالد القط
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 7 يوليو 2023م ، بعنوان : عناية الإسلام بالنشء ، للشيخ خالد القط ، كما يلي:
عناية الإسلام بالنشء
“””””””””””””””””””””””””””””””
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان وكرمه على سائر المخلوقات، وجعل زينة الدنيا في البنين والبنات، ووضع الإسلام منهجاً لحماية النشء من المهلكات، بل وجعل الإحسان إليهم من أسباب دخول الجنات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: 78].
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، حق قدره ومقداره العظيم.
أما بعد
أيها المسلمون، يمر الإنسان عبر حياته بمراحل متعددة منذ ولادته وحتى وفاته، يتحول من طفل رضيع إلى صبي ثم يكون شاباً قوياً فتيا، ثم يعتريه الضعف والنقص، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المراحل في عدة آيات منها:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) سورة الحج (5) وقال: ((اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) سورة الروم (54).
أيها المسلمون، إن أصعب بناء في الحياة على الإطلاق هو أن تقوم ببناء وتنشئة طفل، فلأن تقوم بإنشاء وبناء مدينة بأسرها أيسر ألف مرة من بناء شخصية إنسان، فبناء أي مدينة يتطلب فقط وجود المواد اللازمة والأرض المهيئة للبناء وتحت إشراف هندسي معين يخرج البناء كما ينبغي، ولكن بناء الإنسان لا يكفي فيه فقط توفير الجانب المادي بل الأمر له أبعاد أخرى نفسية واجتماعية وأخلاقية ودينية.
ومن هذا المنطلق أيها المسلمون فقد عنى الإسلام عناية كبيرة بالنشء، لأن النشء أشبه ما يكون بعود أخضر صغير إذا تمت مراعاته باهتمام ظل العود مستقيما أبدا، واذا اعوج في صغره تعذر العلاج أبد الدهر ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: ((عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] الآيَةَ.))
أيها المسلمون، لقد كانت نظرة الإسلام لرعاية النشء أعمق من نظرة أي منهج أخر، فدعا إلى الاهتمام بمرحلة ما قبل وجود النشء أصلا، حيث دعا الإسلام أن يتم اختيار شريك الحياة بعناية واهتمام، حتى يثمر هذا الزواج بنشء صالح ينفع نفسه وأهله ووطنه، فدعا الإسلام الزوجين أن يختار كل منهما الآخر على أساس الدين والأخلاق لأنهما هما الأساس المتين للبناء الصحيح لأى إنسان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند الشيخين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه: ((تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ.)) وعن الزوجة قال النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج الترمذي بإسناد حسن ((عن أبي حاتم المزني: إذا جاءكم من ترضَوْن دينَه وخُلقَه فأنكِحوه.)).
أيها المسلمون، بعد الاختيار الموفق لشريك الحياة، هناك أمور يجب إتباعها حتى ينشأ الطفل نشأة صحيحة مثل:
أولاً : أن نطعم أولادنا من حلال، حتى يبارك الله لنا فيهم، لأن المال المشبوه له عواقب وخيمة على حياة الإنسان عموماً وعلى النشء خصوصاً، قال تعالى: (( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)) سورة الأعراف (58)، فمثل المال الحلال والمال الحرام، كمثل الماء بالنسبة للزرع، فإذا نزل الماء العذب على الزرع نما وترعرع واشتد عوده وأثمر، أما الماء الملح إذا نزل على الزرع أصفر لونه وتساقطت أوراقه ولن تراه مثمراً أبداً، فلا تظلموا أنفسكم، ولا تظلموا أولادكم بأن تطعموهم من غير الحلال.
ثانياً: القدوة لها دور مؤثر في تكوين أخلاق النشء، وذلك لأن الأطفال مولعون بمحاكاة وتقليد الأخرين، ولذلك ينبغي على كل من يتعامل مع النشء من آباء وأمهات ومعلمين أن يكونوا على قدر المسؤولية، ولذلك يكونون من الحذر بمكان، وذلك لأن الأطفال بطبيعتهم أبناء بيئتهم المحيطة بهم، ولذلك حين ترى طفلاً عذب اللسان كريم الأخلاق فاعلم أن وراءه قدوة صالحة طيبة، كذلك إذا رأيت طفلاً سيئ الخلق والطباع فاعلم أنه نتاج البيئة المحيطة به، ولله در القائل:
مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ * فقلدَ شكلَ مشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا: * بدأْتَ به ونحنُ مقلّدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ * فإنا إن عدلْتَ معدلوه
أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ * يجاري بالخُطى من أدبوه؟
وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا * على ما كان عوَّدَه أبوه.
ثالثاً: اتباع أسلوب الوعظ والتنبيه على الأخطاء برفق ولين، وليعلم كل من يقوم بتنشئة الأطفال وتربيتهم أن اتباع وسائل الترغيب أفضل ألف مرة من وسائل الترهيب والتخويف وأنك تبلغ باللطف ما لا تبلغ بالعنف، وأمامنا كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم شاهدان على ذلك وهاكم الأمثلة.
أيها المسلمون ، أهم قضية في الحياة كلها هي قضية العقيدة، خاصة الإيمان بالله، وقد ضرب لنا القرآن الكريم مثلاً لوالد مع ولده، وتكرر الموقف مع أكثر من شخص في القرآن الكريم، ولكن الوالد في كل المواقف لم يتخل عن حنانه وشفقته على ولده فكان يناديه بأكبر رابط يربط الولد بأبيه حتى يكون أدعى وأرجى لقبول النصح، فتكررت عبارة (يا بنى) فهذا نبي الله نوح في أهم قضية في الوجود ينادى على ولده كما حكى القرآن الكريم ((وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ)) سورة هود (4) وهذا لقمان الحكيم في نفس القضية ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )) سورة لقمان (13).
بل انظر كيف كان الوالد يربى ولده على المداومة على الصلاة والبعد عن كل النقائص بمنتهى الرفق واللين ، قال تعالى على لسان لقمان ((يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٖ (18) وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ (19) سورة لقمان وفى موقف التحذير من أمر ما ، يمثل خطراً على حياة الابن، يظل الأب على هذا النمط من الهدوء والشفقة وهذا ما حدث مع نبي الله يعقوب وولده يوسف ((قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)) سورة يوسف (5) بل يظل الأب محتفظا بهدؤه وثباته ورحمته وشفقته رغم إحساسه بعظم الجرم الذى ارتكبه الأبناء وهذا ما كان من نبي الله يعقوب ((يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ سورة يوسف (87)، وهو نفس المنهج الذي اتبعه أسعد وأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في تأديبه الصغار برفق ولين كما حدث مع عمر بن أبى سلمة كما جاء في الصحيحين ((كُنْتُ غُلامًا في حَجْرِ رَسولِ اللهِ ﷺ، وكانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ، فَقالَ لي رَسولُ اللهِ ﷺ: يا غُلامُ، سَمِّ اللهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممّا يَلِيكَ فَما زالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ.. )) وفى لفظ أبى داود بسند صحيح ((ادْنُ يا بُنَيَّ فسَمِّ اللهَ، وكُلْ بيمينِك، وكُلْ مِمَّا يليكَ)).
رابعاً كذلك من عناية الإسلام واهتمامه بالنشء، اتبع الإسلام منهج التدرج فى تعليم الأطفال القيم والمثل، وكذلك في تعودهم على أداء فرائض الإسلام، وهو المنهج الذي نادى به اسعد الخلق صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث ((مُروهُم بالصَّلاةِ لسبعٍ، واضرِبوهُم عليها لعشرٍ، وفرِّقوا بينَهُم في المضاجِعِ.)) فإن التدرج في تطبيق التكاليف الشرعية أيسر في التطبيق من فرضه جملة واحدة.
الخطبة الثانية
أولادنا هم عماد قلوبنا، وثمرات أفئدتنا، وفلذات أكبادنا، ولله در القائل وهو الشاعر: حطان بن المعلى
وإنّـمــا أولادُنــا بيننـــا أكـبــادُنـا تمشــي علــى الأرضِ
لو هَبّتِ الريحُ على بعضهـم لامتنـعتْ عيـني مـن الغَمْـضِ
فالنشء أمانة في أعناقنا سيسألنا الله عنهم يوم القيامة كما ورد في صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي اللَّه عنهما ((أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ في أهْلِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وهي مَسْؤُولَةٌ عن رَعِيَّتِهَا، والخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ. قالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَحْسِبُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: والرَّجُلُ في مَالِ أبِيهِ رَاعٍ وهو مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ.)) أيها المسلمون بل يعد الإهمال في تنشئة النشء من كبائر الذنوب والآثام ولذلك أخرج الإمام أحمد وغيره بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي اللّه عنهما أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((كَفى بالمَرءِ إثمًا أنْ يُضيِّعَ مَن يقوتُ)).
نسأل الله العلي العظيم أن يهدي أبناءنا وبناتنا لكل خير، وأن يحفظهم من كل سوء، وأن يرينا منهم ما تقر به أعيننا
كتبه : الشيخ خالد القط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف